التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أهمية الدراسة الدلالية في نقد الشعر


أهمية الدراسة الدلالية في نقد الشعر
يوسف حسن حجازي
..
الدراسة الدلالية للنص هي دراسة كل ما يعين على الوصول إلى الصورة المطلوبة للنص, وقديما كانت الدلالة يقصد بها المعنى, ينقل مرتضى الزبيدي عن الفارابي في تاج العروس قوله: (ومعنى الشيء ومعناته واحد, ومعناه وفحواه ومقتضاه ومضمونه كله هو ما يدل عليه اللفظ)[1], أما حديثا فقد شملت الدلالة كل ما يحمله النص من أصغر بنية وهي الحركة إلى أكبر بنية وهي التركيب وما يؤديه البناء الموضوع من معنى وما فيه من صوت وحركة ولون, وقد ذكر الدكتور هادي نهر أن المحدثين منهم من ذهب إلى القول بالترادف بين الدلالة والمعنى, ومنهم من رأى أن المعنى أوسع من الدلالة لاقتصار الأخير على اللفظة المفردة, ومنهم من رأى أن الدلالة أوسع من المعنى فكل دلالة عندهم تتضمن معنى وليس كل معنى يتضمن دلالة فبينهما عموم وخصوص[2], ويقول في علم الدلالة التطبيقي: (أما الدلالة في الاصطلاح فتعني ما يتوصل به إلى معرفة الشيء كدلالة الألفاظ على المعنى الذي توحي به الكلمة المعينة أو تحمله أو تدل عليه)[3], ليحدد بعد ذلك تعريف علم الدلالة معتمدا على مفهوم الدلالة بأنه علم خاص بدراسة المعنى في المقام الأول وما يحيط بهذه الدراسة أو يتداخل معها من قضايا وفروع كثيرة, كدراسة الرموز اللغوية وغير اللغوية كالعلامات والإشارات الدالة[4].
إن ارتباط الدال بالمدلول يأبى أن يضعف حفاظا على مهمة المنطوق, وهناك فرق بين الرمز (الكتابة) واللفظ (المنطوق) والمعنى (غاية المنطوق), فالرمز دال على مدلول, وهو ما يشير إلى ما ارتبط بالذهن, ومدلوله اللفظ, واللفظ مدلول لغيره دال على غيره, فهو مدلول للرمز, دال على المعنى, والمعنى مدلول غير دال لأنه الغاية التي يُدَلُّ عليها ولا تَدُلُّ على غيرها, واللفظ معرف المعنى وليس أصلا له, ولا يمكن أن نجرد اللفظ من مدلوله, ولا يمكن أن يتكوَّن المعنى الكامن في النفس دون دال, وأيا كانت الألفاظ تبقى دالة على المعنى حتى لو اختلفت بنيتها, أو اختلفت لغتها, ولا يمكن أن أعبر عن المدلول إلا باستخدام اللفظ المناسب للاعتبارات المختلفة, ولو حاولت أن أصل إلى مدلول اللفظ بلفظ غير مناسب فلن أصل إلى شيء, وحينها يفقد اللفظ حقيقته التي جيء به من أجلها, كأن تقول لمتحدث بالانجليزية: (أريد أن آكل) فلا شك أن هذا اللفظ الدال بالنسبة لك غير دال بالنسبة لغيرك, وهذا يعني موت اللفظ, لأن الذي لا يدل كالذي لم يوضع, وعند دراسة النصوص لا بد من دراسة كاملة لما يشكِّل هذه النصوص فتدرس الألفاظ التي يمكن وصفها بالإبداع أو التقليد, وتدرس المعاني التي تفرض على الكاتب ماهية الألفاظ, والتي تعد الدافع لتوليفها.
وإذا نفينا الدلالة في دراسة الشعر فإن البيان لن يكون إلا أغصانا بالية لم ترحمها وطأة الخريف, وإلا فكيف سنصل إلى الاستعارة والكناية والمجاز وكلها لا تدرك باللفظ دون معرفة دلالة اللفظ, لأن اللفظ ينبئ باستحالة إرادته لمخالفة المعقول, وفي الوقت نفسه يأمرنا أن نبحث في دلالته المستمدة من السياق لنتمكن من الوصول إلى مقصد الواضع, وغالبا إذا لم يكن المقصد موضوعا فإنه يكون متوقعا, فالواضع لا يحب أن يذهب القارئ إلى غير ما يريد فتضيع رسالته لغموض دلالة لفظه.

[1] تاج العروس, 123/39.
[2] علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي, 28, 29.
[3] علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي, 26.
[4] انظر: علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي, 27.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عناصر الرواية

بسم الله الرحمن الرحيم الروايــة: هي فن سردي نثري يجمع بين الحقيقة والخيال يتصف بالطول عادة [1] . * عناصر الرواية : الشخوص, الزمان, المكان, الأحداث, الصراع , النظم, الفكرة, النهاية والحل, اللغة, الكاتب. 1- الشخوص: هي التي تتشكل بتفاعلها ملامحُ الرواية, وتتكوَّن بها الأحداثُ, لذا فعلى الروائيّ أن ينتقيَ شخوصَ روايته بحكمة بحيث يجعل الشخصية المناسبة في المكان المناسب. تنقسم الشخوص إلى قسمين: إما أن تكون صادقة يمثلها البشر أو كاذبة تتجسد في الحيوانات أو الجمادات, وقد يجمع الروائي بين البشر والحيوانات أو الجمادات في خياله الروائي, وسبق أن قرأت  قصة قصيرة دارت أحداثها بين قلم وممحاة. • ويمكن أن أُقَسِّمَ الشخصيات من حيث الدور الذى تقوم به إلى: شخصيات رئيسة وشخصيات ثانوية, فالشخصية الرئيسة هي التي تتواجد في المتن الروائي بنسبة تفوق الخمسين بالمائة, وتبرز من مجموع الشخصيات الرئيسة شخصية مركزية تقود بطولة الرواية. أما الشخصية الثانوية فهي كالعامل المساعد في التفاعل الكيميائي يأتي بها الروائي لربط الأحداث أو إكمالها, وهذا لا يعنى أنها غير مؤثرة, فإن كانت كذلك

هل يمكن أن يكون الظلام مادة يسري فيها الضوء؟!!

الضوء فوتونات تنتقل عبر الفراغ, ألا يمكن أن يكون الظلام جسيمات الفراغ نفسه؟!! أي أن الفراغ غير موجود حقيقة, والظلام عبارة عن جسيمات تملأ الكون, فإذا أصدرنا ضوءا فإن الضوء يسقط على هذه الجسيمات ويكسبها الإنارة, لذا نرى شعاع الضوء منيرا غير مشع, لأن ضوء المصدر يسقط على الظلام فينير الظلام, من الممكن أن يكون هذا غريبا, لكن أليس الظلام قابلا للإنارة؟ ولنا أن نرى ما يحيط بشعاع النور عند إصداره, قد يعتقد البعض أن الهواء هو الذي يحيط بالنور, لكن إذا أزلنا الهواء فماذا يبقى؟!! ولتوضيح ذلك تذكر عندما كنت تستيقظ من النوم وأشعة الشمس تتخلل من النافذة فتقوم وتنفض فراشك, فإنك كنت تلاحظ منظرا جميلا حيث تسير جزيئات الغبار بشكل رائع خلال أشعة الشمس, وفي الحقيقة فإن الغبار يملأ الغرفة لكن لا يبدو منه إلا ما وقع عليه الضوء, وعندما نرى ذلك يكون تساؤلنا: هل الغبار كشف لنا الضوء, أو الضوء هو الذي كشف لنا الغبار؟ والجواب طبعا أن الضوء هو الذي كشف لنا الغبار المنتشر حولنا في المسار الذي يسلكه الضوء فقط وليس في كل المحيط, تماما كما يكشف الضوء جسيمات الظلام في المسار الذي يسير فيه فقط.. يوسف حسن حجازي