الكاتب/ يوسف بن حسن حجازي
حوارية الوطن
الشمس بعد قليل تودع الآفاق, ستائر الأشعة بجمالها تجذب الآماق, وعمر تسبقه خطواته يجب أن يصل قبل الغروب, فالأهل في لوعة واشتياق, وهو في لهفة لوصوله بعد طول الفراق, تدور عيناه الرقراقتان بالدمع الدفاق في سماء الوطن وأرضه وكل زُقاق, لا يكاد يصدق أنه بنعله يخطو على تراب الوطن, يسير على الأرض وكأن الهواء يحمل فؤاده, وفجأة...
انجذب إلى ناحية شارع بائس, جذبه منظر فتى صغير, رآه يبكي بعيون تخفي كنز أسرار, لفت عنه الطرف فرد قلبه الضمير, فضوله بل رحمته دفعته ليسأل:
- ما يبكيك يا فتى؟ قل لي ولا توجل..
سمع الفتى صوتا غضا عطوفا فأخذ يواري الدمعات, وأسرع يمسح بساعده الأيمن آخر ما نبع من عينه البريئة الكسيرة, ثم نظر إلى عمر مستغربا: (ماذا يريد؟ أحقا يوجد في البلاد من يشعر بالعباد؟).
بكل هدوء وحنان تهادت يد عمر الناعمة لتمسح على رأسه الجميل, ثم قال:
- كفكف دموعك فأنت رجل, والرجال لا يبكون..
خيم الصمت هنيهة إلى أن تبدد بشهقة مشحونة بالآلام, انطلق بعدها فو الفتى بالكلام:
- يا عم, أما تدري ما يبكيني؟
ألم تسمع بقصتي وشجوني؟
أما علمت ما حلَّ بداري؟
أم لم تدرِ ما الذي أظلم نهاري؟!
قد نسي عمر الاشتياق والفراق وكل أرض وزقاق بعدما سمع الصوت الرقيق يفصح عن كلمات صادقات بدليل العبرات وهيئة النظرات..
ربت عمر على كتف الفتى ثم قال: وما خبرك يا ولدي؟!!
انحدرت دمعات ساخنة وتقلقلت حروفه بين شفتيه الرقيقتين ثم قال:
يا عمُّ..
كانت لنا أرض فيها الخير والإيمان..
فيها الحب فيها الود وجمال الترب والأغصان..
فيها المجلس والبستان..
ومجمع أهلي والجيران..
وكان السعد يغمرنا.. والبأساء تهجرنا..
وفي ليلة دهماء..
في ليلة دهماء كاد لنا الأعداء..
فغطوا ضوء البدر,,
بالظلم وبالغدر,,
ونزفت الدماء.. بكل رأس وصدر..
تنهد الفتى وتابع الأسى:
جاء الهاغاناه.. ليعدموا الحياه,
غصبوا منا البستان..
سرقوا أرض كنعان,
وصرنا كالقطعان..
شريفنا مهان..
صغيرنا مدان..
وبعد الامتهان قلبوا البيان.. للسائل الحيران,
فقالوا: لنا الأرض ونملك البرهان!!
ونصرنا الفرض ليعمَّ الأمان..
لقد ذقنا الويل من هتلر والألمان,
وحُرِقنا بالكيل في خنادق وأفران!!!
والنصر هدية صبرٍ أهداها لنا الزمان..
وعلى مجلس الأمن تصديق البيان.. فذا هو الخيار وعدل الميزان..
ويا عم يا صاحب السؤال..كلهم أنذال.. كلهم كلاب,
فقصة العذاب من غث الكتاب,
حتى وإن حقا فجمعهم ذباب,
هم مصدر الفساد ومركز الخراب..
وبعد الإشفاق أتاك الجواب, فهل لك عمُّ حق في العتاب, ألست معذورا إن كنت في اكتئاب؟!! ألست مظلوما ألست في عذاب؟!!
هز كلام الفتى جسد عمر, وسرت القشعريرة في كل شعرة من بدنه,لم يملك أمر دمعه, حاول أن يداريه ليحافظ على رجولته, لكن كيف له أن يعدم مظاهر الرحمة وملامح الحب والانتماء, تماسك ثم قال بصوت خفيض:
ولدي لا تحزن..
سننصر لا تحزن..
سنعود بالأحسن..
سنهزم الأرعن..
سيهلك الألعن..
سينتهي الغازي أيما نهاية, وسنرفع للأعلى للأعلى الراية, وسنكتب في النصر ألف رواية..
سنعود إلى أرض الوطن,
وننسج من حبر الزمن,
أحلى حكاية..
لا تبكِ ولدي لا تبكِ فأنا المفترض من يبكي أنا المصاب يا ولدي أكثر منك لو تدري..
فأنا من جورة عسقلان, وتهجيري زاد من قهري..
طُردنا منها من ضعف..
وضعفي ما أضعفَ أمري..
فعزمي أشد من الحديد, وإذا جلستُ كالقعيد أبكي ضعفي فلن أزيد, ولن أغير ما أريد, ولن أَفيد أو أُفيد, فليس من سبل الرشيد, البكاء أو النحيب, لإعادة المجد التليد بسيادة اليوم الجديد..
فإن كنتَ تحبُ البلاد فاجعل حبك مشعلا ينير السبيل, واجعل حزنك وقودا يذكي المشعل للخبير والجهيل..
وسر بالأمل والتفاؤل للتغيير والتعديل..
وابدأ بالإرادة.. واصبر للسيادة..
فإن أردت الوصول, فلك ذاك بضريبة الحصول..
والضريبة تعني التضحية بالمأمول..
فالمحب إن استنكف عن التضحية لأجل حبه فلا يستحق المحبوب, هذه الدنيا لا تنتظر المتباطئين..
فهيا يا ابن الأكرمين..
قم يا ابن فلسطين..
ولتحمل السلاح...
وتعلن الكفاح...
لسحق الاحتلال.. ولطرد الأقتال...
تقدم,, تقدم وكن منارا للأبطال..
كن منارا للأجيال..
قم حطم الأغلال..
قم ولدي إلى النضال..
قم ولدي إلى النضال..
يوسف بن حسن حجازي
تعليقات
إرسال تعليق