التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من المسؤول عن تخلفنا؟!!


بسم الله الرحمن الرحيم


غريب أمر الناس, لا أذكر أني نويت أن أظلم أو أغدر أو أخون, فلماذا أرى الناس تخون؟ كنت دائما أقرأ أن الإنسان يحكم على الآخرين بما في داخله فكنت أرى في الناس كل خير إلا أنني اكتشفت أني مرآة فاسدة لهم فليس الأمر كما أظن, إذ اتضح لي أن الحكم على الناس يكون بما يفعلون لا بما في داخلي مكنون, فلا أدري ما الذي جعل شفافية الإنسان حاجزًا صامتًا يحجب النور أن يمر خلاله؟ لماذا الطبيب الطيب يحتال لينال؟ ولماذا المعلم الموقر ينافق ليسابق؟ كنت أعمل في الجيش ثم تركت الجيش وانتقلت لأعمل مدرسًا حبًا في مهنة التعليم, لكن الأمر لم يكن كما توقعت, فالتعليم ليس هو الصورة التي كنت أراها عندما كنت طالبًا وكأني خُدعت, فقد رأيت الخير والشر كما هو الحال في كل ميدان, لكن المؤسف في الأمر ليس أن يكون هناك شر, بل أن يكون الشر منهجًا يسير عليه الراعي ويجبر عليه الرعية, لذا توصلت إلى سبب تدني مستوى التعليم والتفكير في فلسطين, فمثلًا:
-   ملف حضور الطلاب وغيابهم الخاص بالمدرسة مليء بالتزوير, لأن إدارة المدرسة تخشى أن تأتي لجنة الرقابة فتجد نسبة الغياب كبيرة, والمشكلة أن هذا التزوير أصبح منهجًا تسير عليه الأجيال الإدارية ولا أحد ممن يستجد يحيد.. ولا أدري ما المانع من تسجيل اسم كل من يتغيب من الطلاب حتى تتم معالجة الأمور؟
-   توقيع الطاقم التدريسي عند الحضور والانصراف قائم على التزوير المحض, بل الذي لا يخضع لهذا التزوير يُوبَّخ أيما توبيخ, وكل ذلك لا لأجل مصلحة العمل بل للنجاة من لجنة الرقابة, وفي الحقيقة فالرقابة هي أيضا تعلم بذلك لأن أفرادها كانوا معلمين يفعلون ذلك.
-   الترفيع الآلي, وهو أمر يجعل التعليم لا يتقدم لأنه يؤثر سلبًا على المعلمين, ويخدع المتعلمين, وتلجأ إليه الوزارة - لاحظ أن الخداع هذه المرة في الوزارة – بحجة أن عدم الترفيع يسبب أعباء كبيرة للدولة, وبدلًا من مواجهة هذه الأعباء ووضع حلول إيجابية تفضل الوزارة أن يبقى التخلف للهروب من مسؤولية توفير ما يناسب الطلاب الضعفاء دراسيا, كالمريض الذي يرفض الفحوصات حتى لا يخضع لعملية, مع أهمية تلك العملية له رغم قسوتها, فيُبقي على الوجع إلى أن يودي به إلى الهلاك, ولكم أن تتصوروا التخلف الناتج عن التخفيض الآلي لا الترفيع عندما تجدون طالبًا في الصف الحادي عشر لا يفرِّق بين الفعل والاسم, أو طالبًا في ذات المرحلة لا يستطيع أن يكتب العربية أو يقرأها, أذكر أني مرة طلبت من طالب في الثانوية أن يكتب اسمه كاملًا على السبورة فما استطاع أن يكتب اسم جده, فتأملتُ وقلتُ في نفسي: (كيف بلغ هذا المرحلة الثانوية؟) إنه التخفيض البغيض, والترقيع بالترفيع, والمؤسف في نهاية العام أن هذا الطالب يكون من الناجحين, كنت أخاف أن يزدريني الطالب الضعيف عندما يجد أنه من الناجحين فكنت أُقسِم للطلاب أني لست سبب نجاحهم, وأن السبب هو المدير, أتعلمون لماذا؟ لأن الطالب يعلم من أعماق قلبه أنه لا يستحق النجاح, وعندما ينجح يعلم جيدًا أن نجاحه أكذوبة, وقد كنت أرفض أن أخدع الطالب في شخصيته فأصوره من الناجحين وهو لا يستحق ذلك ألبتة, طمعًا في رفع نسبتي, إن نظر المدير إلى النسبة الزائفة للمعلم هي التي تجعل المعلم يتلاعب في درجات الطلاب, لأن من يسير في أرض معوجة عليه أن يعوج وإلا انحرف, وما الذي يجعل المعلم مستقيمًا مع مدير لا يستقيم أن يكون مديرًا لأنه حصل على الإدارة في تغيُّر أحداثٍ ينال فيه الضعفاءُ حظَّ الأقوياء, لأن الأقوياء تشغلهم الأحداث, والضعفاء يشغلهم اقتناصُ فرصة العمر بالنسبة لهم لأنها لن تكون لهم لو لم يحدث هذا التغيُّر؟ وما السبب الذي يجعل الوزارة لا تقدم على تغيير مدير وضعته من قلةٍ إلا شعورها بالحرج الذي سيؤول في النهاية إلى خراب البيت التعليمي؟ فالمدير الذي لا يعرف الإدارة يمكن أن تكون له فرصة في أي عمل وزاري لا يفضي إلى تدمير التعليم.. إني ضد الترفيع الآلي, وضد تهرب الوزارة من المسؤولية, فالأصل أن تقام مؤسسات تهتم بالطلاب الضعفاء دراسيًا, وأن يتمَّ احتواؤهم في مؤسسات يكون لهم حظ فيها بدلًا من أن يقضوا عمرًا على مقعد الدراسة دون فائدة, وبهذه المؤسسات يمكننا الاستفادة من الذين لا حظ لهم في العلم في مجالات أخرى يقوم بها المجتمع وتشتد أركانه بدلًا من تدمير الطالب عندما نجبره على الدراسة التي تجلب له عار الرسوب المقيت, ويمكن كذلك فصل الطالب الضعيف جدا عن المتفوق جدا ليتم التعامل معه بطرق تربوية وعلمية خاصة لأن ما يحتاجه الضعيف ليس كما يحتاجه المتوسط والمتفوق, أذكر أني طرحت هذا الأمر على مدير المدرسة مرة, فاستهجن ذلك وأخبرني أن الوزارة ترفض جدًا بحجة أن الطالب يجد في نفسه حاجة من ذلك, فكدت أصدق أن الوزارة حريصة على تقدم التعليم, وعلى مصلحة الطالب, وإنه لحرص كاذب فلأنْ يجد الطالب في نفسه حاجة خير من ألا يجد نفسه حاجة في المستقبل, فيمكن للإنسان أن يبني بيتا من كرتون كما يمكنه أن يبني بيتا من الصخر, لكن الكرتون ليس كالصخر, ونحن نبني جيلًا كرتونيًا, فيه مسامير صخرية هي الطلاب الناجحون لا لأن سياسة الوزارة ساعدتهم على النجاح, بل لأنهم يريدون أن ينجحوا.
-   التحضير اليومي, وهو لعبة يلعبها المعلم على الإدارة بعلم الإدارة, وتلعبها الإدارة على الإشراف بعلم الإشراف, فالمدير يعلم أن المعلم ينسخ تحضير العام الماضي أو يجعل أحدًا يكتبه له أو يكتب أنه التحضير دون اهتمام إلا قليلًا من المعلمين, ومع ذلك يصرُّ على التحضير, والإشراف يعلم ذلك, فالمهم التحضير والغاية تبرر الوسيلة.. ولا يريدون الأهداف التعليمية إلا بصيغة الفعل فالاسم مُحرَّم, ولا يجوز أن تنسى وضع الحرف (أن) فتلك مصيبة..
-   الخطة العلاجية التي يطلبها الإشراف أو الإدارة, فهي كلام في كلام, المهم أن تكتب وتوثق وليس مهمًا أن تطبق, فالإدارة تخاف على مستقبلها, والطلاب لا مصلحة لهم..
-   الزيارات التبادلية, نصب وتزوير, حيث لا تحدث الزيارة وإن حدثت فعشرة دقائق, وإن طالت فلا يُكتب الصحيح حتى لا يجد المعلم المزور في نفسه حاجة من الزائر..
وفي الحقيقة فهذا ليس كل شيء, ولا يَعقِل كلامي إلا معلم مجرِّب لا مدرس غُمر, وبعد ما سبق يمكنك أيها القارئ أن تصل إلى سبب تخلف أبنائنا, فلا الوزارة حريصة على الطلاب, وإن سمعت ذلك في الأخبار, فهو كلام كالنار, تطيش في الهواء فترهب النظار ثم تصبح خامدة لا ضرر ولا ضرار, فالوزير مع ودنا له وتقديرنا لعلمه لا يعطي الوزارة اهتمامه فلديه أشغال كثيرة, واجتماعات غفيرة, من حكومية إلى تنظيمية إلى اجتماعية, أعانه الله, والعمال فيها تجد السكرتير فيهم كالدكتور الجامعي, لأنه يجلس على مكتب من الزان, والمدرس لو ذهب في حاجة إلى وزارته فلا احترام له كأنه متسول جاء لغير حقه إلا ما نزر, أذكر مرة أن وكيل الوزارة استشهد للمعلمين المعارضين لملف الانجاز الذي طرحه بالمعلم الياباني الذي يعمل تسع ساعات وأكثر في بعض الأوقات, فقلت في نفسي: (تطالبون المعلم أن يكون مثلهم وأنتم لستم مثلهم في إقامة العدل) وقلت كذلك: (المعلم الياباني يعامل في اليابان كالوزير في الراتب والتقدير, أما عندنا فيعامل كالغفير في الراتب والتقدير), والحقيقة أن الذي يجلس وراء المكتب على كرسي ويصدر قراراته لا يدرك المعاناة التي يحصدها المعلم من وراء هذه القرارات.. فلا أدرى متى يشعر الراعي بالرعية,, هو كما قلت المعلم ينفق ليسابق, لأن الوزير إذا زار مدرسة لا يجد إلا المادحين في سياسة التخلف, وإذا جلس على الكرسي لا تصله إلا التقارير الزائفة التي فيها أن التعليم في أعلى درجات التطور, والتقرير كما هو معلوم لا تذكر فيه إلا المحاسن أما الغياب والتأخر والتخلف والنزاعات والفشل الإداري والتزوير والكذب فلا يشعر بذلك كله إلا المعلم, ولا الإشراف كذلك عنده نية صادقة للتغيير, ولا المدراء, ولا المعلمون إلا قليلًا ممن أنعم الله عليهم يريدون أن يغيروا ولا يستطيعون..
قد يرى البعض أنه لا ينبغي أن أقول هذا لأن التعليم فيه الخير والشر, لكني أكره أن أصمت على باطل, والذي يمدحون لا يُعدُّون مع ذلك فنحن متخلفون, أما المعارضون فلا يجيدون, فإما متطاولون وإما مقصِّرون, لذا حاولت أن أقول, وأن أذكر المعلوم الذي يبدو كالمجهول, فلساني صارم لا عيب فيه, وبحري لا تكدره الدلاء, فلمَ لا أقول؟!
أسأل الله أن يصلح أمورنا, وأن يغفر ذنوبنا..
والحمد لله رب العالمين..
والصلاة والسلام على خاتم المرسلين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

يوسف بن حسن حجازي..
الاثنين
28 ربيع أول 1433, 20 فبراير 2012
9:53 صباحا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أهمية الدراسة الدلالية في نقد الشعر

أهمية الدراسة الدلالية في نقد الشعر يوسف حسن حجازي .. الدراسة الدلالية للنص هي دراسة كل ما يعين على الوصول إلى الصورة المطلوبة للنص, وقديما كانت الدلالة يقصد بها المعنى, ينقل مرتضى الزبيدي عن الفارابي في تاج العروس قوله: (ومعنى الشيء ومعناته واحد, ومعناه وفحواه ومقتضاه ومضمونه كله هو ما يدل عليه اللفظ) [1] , أما حديثا فقد شملت الدلالة كل ما يحمله النص من أصغر بنية وهي الحركة إلى أكبر بنية وهي التركيب وما يؤديه البناء الموضوع من معنى وما فيه من صوت وحركة ولون, وقد ذكر الدكتور هادي نهر أن المحدثين منهم من ذهب إلى القول بالترادف بين الدلالة والمعنى, ومنهم من رأى أن المعنى أوسع من الدلالة لاقتصار الأخير على اللفظة المفردة, ومنهم من رأى أن الدلالة أوسع من المعنى فكل دلالة عندهم تتضمن معنى وليس كل معنى يتضمن دلالة فبينهما عموم وخصوص [2] , ويقول في علم الدلالة التطبيقي: (أما الدلالة في الاصطلاح فتعني ما يتوصل به إلى معرفة الشيء كدلالة الألفاظ على المعنى الذي توحي به الكلمة المعينة أو تحمله أو تدل عليه) [3] , ليحدد بعد ذلك تعريف علم الدلالة معتمدا على مفهوم الدلالة بأنه علم خاص بدراسة

عناصر الرواية

بسم الله الرحمن الرحيم الروايــة: هي فن سردي نثري يجمع بين الحقيقة والخيال يتصف بالطول عادة [1] . * عناصر الرواية : الشخوص, الزمان, المكان, الأحداث, الصراع , النظم, الفكرة, النهاية والحل, اللغة, الكاتب. 1- الشخوص: هي التي تتشكل بتفاعلها ملامحُ الرواية, وتتكوَّن بها الأحداثُ, لذا فعلى الروائيّ أن ينتقيَ شخوصَ روايته بحكمة بحيث يجعل الشخصية المناسبة في المكان المناسب. تنقسم الشخوص إلى قسمين: إما أن تكون صادقة يمثلها البشر أو كاذبة تتجسد في الحيوانات أو الجمادات, وقد يجمع الروائي بين البشر والحيوانات أو الجمادات في خياله الروائي, وسبق أن قرأت  قصة قصيرة دارت أحداثها بين قلم وممحاة. • ويمكن أن أُقَسِّمَ الشخصيات من حيث الدور الذى تقوم به إلى: شخصيات رئيسة وشخصيات ثانوية, فالشخصية الرئيسة هي التي تتواجد في المتن الروائي بنسبة تفوق الخمسين بالمائة, وتبرز من مجموع الشخصيات الرئيسة شخصية مركزية تقود بطولة الرواية. أما الشخصية الثانوية فهي كالعامل المساعد في التفاعل الكيميائي يأتي بها الروائي لربط الأحداث أو إكمالها, وهذا لا يعنى أنها غير مؤثرة, فإن كانت كذلك

مقالة في الكتابة العروضية.. يوسف حسن حجازي

مقالة في الكتابة العروضية يوسف حسن حجازي .. تحميل مقالة في الكتابة العروضية